روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | لسْتَ في حرب مع عقل إبنك!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > لسْتَ في حرب مع عقل إبنك!


  لسْتَ في حرب مع عقل إبنك!
     عدد مرات المشاهدة: 2508        عدد مرات الإرسال: 0

يعتقد بعض الآباء والمربين أن حسن التربية تعني السمع والطاعة، فالطفل المؤدب هو الذي ينفذ الأوامر فورًا، والطفل العنيد هو الذي يناقش ويحاور أهله ويبحث عن حجة مقنعة، ويصر على رأيه.

ولا شك أنه من الأسهل على الأبوين أن يكون الطفل مطيعًا وقليل الكلام وسهل الإنقياد، ولكن هل هذا هو الأصلح له ولهما على المدى الطويل؟

وبصيغة أخرى: هل يَسرُ الأبوين أن ينعما بجو هادئ تطاع فيه أوامرهما في طفولة ابنهما أو ابنتهما، بعد أن ربياه على سهولة الإنقياد، ثم يفاجئا به مع أولى درجات المراهقة وقد بدأ ينقاد لأصدقاء السوء، أو لضغط مجتمعي لا يرضيان عنه؟..

وكيف تصور لهما الأوهام أن حالة الإستسلام والإنقياد التام التي يربياه عليها ستظل مصروفة لهما؟.. كيف لا يدركان أن هذا النمط من التربية إنما يلغي مهارات وأساليب تفكير وسلوك أساسية مثل: تكوين الرأي الخاص..النقد..الاختيار واتخاذ القرار..حسن التمييز بين الأمور.. الرفض..مقاومة ما لا يقتنع به..الشجاعة..التفكير العميق..الحوار..الدفاع عن المعتقد أو الرأي...؟!

المشكلة أن نسبة لا يستهان بها من الآباء والمربين يعتقدون أن إذا لم يتربى بهذه الطريقة فإن خطر التمرد وسوء الأدب والإنفلات والعقوق سيلاحقه، وأنهم سيكونون مفرطين في واجبهم إذا لم يبذلوا كل جهد لإلغاء عقله وترويض دماغه حتى لا يرى إلا ما يرون، ولا يميل إلا لما يميلون إليه، ولا يفكر في تجربة جديد، أو يجرؤ على مناقشة أمر.

والحقيقة أن تنمية الملكات العقلية والنفسية للصغار لا تعني أبدًا غياب الإنضباط، أو قلة الإحترام والتقدير، أو ترك السلوكيات الخاطئة دون تأديب، بل على العكس فإن التربية الصارمة المُقيدة للعقل تنتج أحد شخصين: الأول، ينقاد للأقوى ويستسلم للضغط، ومفتقد لإدارة ذاته، والتحكم في نفسه، وهو ما يوقعه في بلايا كثيرة نتيجة موت ضميره وتفكيره الخاص.

أما النموذج الثاني، فهو الوسواسي السودواي العنيف، الذي يعتد برأيه ولا يقبل من أحد خلاف أو مراجعة، منعتق من كل قيمة، يتمركز حول نفسه فهو لم يعرف في سنين تربيته إلا الرأي الواحد، ولغة القهر التي أورثته حقدًا ونقمة.

* ومن أجل تربية تحترم عقول الصغار والناشئة، يجدر التنبيه إلى بعض النقاط الهامة:

1= حسن التربية مفهوم متكامل عن تنشئة إنسان صالح واعي، يحترم نفسه وعقله، كما يحترم من حوله.. وإختزالها في فكرة الطاعة العمياء للوالدين يضر بهذا النشء بل وبالمجتمع كله حيث يفتقد إلى المبدعين الذين لا تتحقق إلا بهم نهضة المجتمعات.

2= كما تتوق النفس البشرية إلى الحرية، فهي تحتاج أيضًا إلى وجود ضوابط، وكما يحتاج الإنسان للشعور بالعدالة في أخذ حقوقه، فهو يحتاج بشدة إلى الالتزام بمسؤوليات فهو لن يشعر بقيمته وتحقيق ذاته إلا بهذا.

ومن هنا فإن الدعوة إلى إحترام عقول الصغار، وتربيتهم بالإقناع والحوار لا يعني أن يُتركوا بلا ضوابط ولا قواعد ولا توجيهات ولا تأديب.. فهذا من التقصير الشديد في حقهم.

والبيت الناجح هو الذي يعيش أفراده وفق نظام وقواعد، ويشارك في تطويرها ووضعها جميع أعضاء الأسرة.

3= ضبط سلوك الأطفال بالحب: يقول الأستاذ محمد قطب: منهج الإسلام في تربية النفس. إنه لا يكبت رغائبها فيقتل حيويتها ويبدد طاقتها ويشتت كيانها، فلا تعمل، ولا تنتج ولا تصلح لعمارة الأرض وترقية الحياة، وفي الوقت ذاته لا يطلق رغائبها بلا ضوابط، لأن ذلك يبدد طاقتها من جانب آخر، يبددها في نشاط الحيوان وعلى مستوى الحيوان، ووسيلته إلى ذلك   -كما قلنا- هي الضبط، إنه يعمل على تربية القوة الضابطة وتنميتها منذ نعومة الأظفار.

يربي الأطفال منذ طفولتهم على بعض العادات التي تضبط سلوكهم فلا ينفلت عيارهم، ويعودهم على الإمتناع عن بعض رغباتهم التي تزيد عن الحد، وهو لا يصل إلى ذلك بإستخدام القسوة، فليس هدفه هو الإنتقام من الطفل، ولا إنضاجه على شؤبوب من النار! وإنما وسيلته هي الحب! الحب المتمثل في الأسرة، والذي يربط الأم والأب والأطفال، ويجعل التوجيه نصيحة لينة رفيقة حازمة في ذات الوقت، تنفذ إلى القلب وتستقر في الأعماق. والعقوبة ليست هي أول الطريق! إنما هي وسيلة إحتياطية حتى لا تنفع القدوة ولا تنفع النصيحة ولا ينفع الغرس عن طريق الحب والمودة القائمة بين الآباء والأبناء -منهج التربية الإسلامية/ الجزء الأول.

4= التربية بالإقناع: من أهم دعائم إحترام عقول الأطفال، هي أن يتربوا على الإقناع، أن يفهموا سبب أمرهم ونهيهم، منعهم وتكليفهم، أن توضح لهم الأسباب بما يتوافق مع عقولهم وأعمارهم.. وهذا وإن كان متعبًا ومرهقًا إلا أنه على المدى البعيد يخرج إنسانًا هو قرة عين لأهله ومجتمعه، لا تسطير عليه شهواته وأهوائه.. لأنه إعتاد على الحجة والإقناع..

ولا يعني هذا أن يكون الطفل في حاجة إلى مبرر دائمًا حتى يطيع أوامر والديه، ففي بعض الأحيان لا تسمح الظروف بشرح الأسباب، ولا يتيح الوقت هذا.. وهنا يجب أن يكون رصيد الحب والتأدب حاضرًا فيطيع الطفل فورًا، ولكن يبقى هذا هو الإستثناء.. ويبقى الأصل هو أن يبذل الأبوان جهدًا إضافيًا لشرح الأسباب وإقناع الصغير، والأمر لن يكون صعبًا إذا بدأت هذه الحالة من التفاهم والود والحوار من الصغر، ولنا أن نتخيل كم ستكون المراهقة هادئة وآمنة في ظل هذه التربية المحترمة، وعلى النقيض تنفجر البيوت بالخلافات الكبيرة في مرحلة مراهقة الأبناء نتيجة لإنقطاع حبال التفاهم والإحترام، وتعود الأبوين على إمتهان عقل الابن، ورفض المراهق لهذا.

5= ومن ركائز احترام عقل الطفل أيضًا:

ـ توفير الغذاء العقلي له، وتشجيعه على القراءة والتثقف.

ـ الإجابة على أسئلة الطفل بما يتناسب مع عمره وذكائه، وعدم إعطائه أجوبة هزلية أو كاذبة، والصراحة معه في حال عدم معرفة الأب أو الأم للجواب، على أن تكون هذه فرصة لوضعه على طريق البحث بنفسه والتفكير، أو مشاركة الأبوين البحث.

ـ إحترام ميول الطفل العقلية وعدم إجباره على خيارات بعينها، وعدم السخرية منه إذا كانت أحلامه كبيرة، أو خياله واسع، أو له ميول علمية أو أدبية أو فنية أو رياضية... وتفهم أن مرحلة الطفولة هي الفرصة الحقيقية لإكتشاف الطفل والأبوين لمواهبه وتنميتها.

ـ تدريب الطفل على النقد البناء، وتنمية العقلية النقدية لديه، والسماح له بإنتقاد الوالدين ما دام هذا الأمر في حدود الأدب.

ـ ومن إحترام عقل الطفل ربطه بخالقه، وإمداده بالمعرفة الدينية، وتأسيس عقله على الإيمان، وعدم الإكتفاء في التربية الإيمانية بالمظاهر والأعمال، لأن القناعات العقلية هي الثوابت الحقيقية أمام الفتن والتخبطات.

وختامًا فإن كثيرًا من الناس يعتبرون العقل عدوًا.. ويظنون أن العبد الصالح هو الذي لا يفكر، وأن المواطن الصالح هو الذي لا يفكر، وأن الابن الصالح هو الذي لا يفكر.. ويتناسون أن العقل هو مناط تكريم الله تعالى للإنسان، وأن العقل هو المطية للوصول إلى الله ومعرفته وتدبر آياته، وأن كتاب الله الكريم مليء بالحض على التفكر والتعقل.

الكاتب: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المراة.